إني ذاهب إلى ربي 1437 هـ
نحن هنا قوم مسافرون إلى الله كرهاً لا طوعاً، قال ابن القيم رحمه الله:( العبد من حين استقرت به قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ومدة سفره هي عمره الذي كتب له فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى ...) فأنت في رحلة ليس بيدك توقيت انطلاقها ولا موعد وصولها وليس بيدك إيقاف سيرها
ومع قولة سيدنا إبراهيم ( إني ذاهب إلى ربي ) أشار فضيلة الشيخ في هذا اللقاء أن العبد لابد له من وجهة في طريقه إلى الله فينبغي عليه أن يحدد وأن يضبط وجهته إلى الله كي يسير في الطريق الصحيح وأن يصل إلى مقصوده
إخواتي دائما ما اسمي شهر شعبان شهر الحياء من الله ففيه تعرض الأعمال على الله فأرجوا أن يرانا الله في هذه الأيام وصحائف أعمالنا بين يديه سبحانه يرانا ننادي أنفسنا وننشدها ( إني ذاهب إلى ربي ) لعله بذلك يرحمنا
(إنى ذاهب إلى ربي) بنيتي وهمي بقلبي وعقلي وعزيمتي وهمتي (إنى ذاهب إلى ربي) بتوبتي وإنابتي ، ( البداية نية ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى فِراشَه، وهو ينوي أن يقومَ يصليَ من الليلِ، فغلبته عيناه حتى أصبحَ كُتِبَ له ما نوى، وكان نومُه صدقةً عليه من ربِّه، عز وجل
(البداية) بداية متألقة بتوتر القلب شوقا إلى الله ، إن توتر القلب شوقا إلى الله سيظل أمانية جميلة عقيمة إلا لم يصحبها توتر الإرادة والعزيمة لحصول الإنجاز وقطع المراحل بين مرمى الطرف ومحط الأشواق ،( إني ذاهب إلى ربي) تحتاج إلى معرفة طبيعة الطريق ومعرفة القواطع والعوائق والموانع
قال تعالى (قد جاءكم بصائر من ربكم) الفهم عن الله لابد أن يفهم العبد البصائر والإشارات والرسائل التى تأتيه من عند الله فهماً صحيحاً على مراد الله لاعلى هواه، القضية أن تفهم لماذا سلط الله عليك ظالماً ؟ أن تفهم لماذا منع عنك الله هذا الخير؟ وأهل البصائر لاتصدمهم الأحداث لذلك لا يختل توازنهم على الصراط
قال تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) الطريق مستقيمة لا التواء فيه ولا عوج، وقال تعالى( الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا) فيجب عليك أيها العبد الرباني أن تلتزم الطريق المستقيم ولا تكن من الذين يبغونها عوجاً وهم أهل حب الدنيا وأهل الشهوات.
وأول عوائق الطريق (الشيطان) قال تعالى(إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن مجرى الدم) وقال ابن القيم رحمه الله (الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير أو يدخل فيه فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه ويشغله ليصرفه عن فعله
وثاني عوائق الطريق (الأنانيات) كلمة (أنا) وخطورة الأناني أنه لا يعترف بذلك، لا يحب أحد إلا ذاته وهمه إرضاء نفسه ومصلحته، ومن صفات الأناني أن كل شئ يخطر بباله يفعله، والخواطر الرديئة وأحلام اليقظة من أهم عوائق الذهاب إلى الله، ونصيحتي لكم أيها الأخوة: حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا
يجب عليك ألا يكون لك عادة غير العبادة، قال الإمام الهروي (القومة لله هي اليقظة من سنة الغفلة والنهوض من ورطة الفترة وهي أول ما يستنير قلب العبد بالحياة لرؤية نور التنبيه )
الذهنيات من أكبر العوائق التي تعوقك في الطريق إلى الله تعالى ، ولذلك كان علاجها أن لا تسمع أحد أو من أحد إلا من أتى من طريق النبي صلى الله عليه وسلم ، والتوبة من ذلك ومن كل ذنب ،التوبة لكي تتخلص من كل ما يشينك عند الله، والتوبة هي أول الطريق وأوسطه وآخره ، وهي كل الطريق
وجوب التوبة من رؤية النفس ورؤية العمل ، والرضا به واستكثار الطاعة لأن هذا يؤدي الى ثلاثة أشياء : 1- جحود نعمة الستر والإمهال 2- ان يرى على الله حقا مقابل العمل 3- الاستغناء عن عفو الله
من أكبر المصائب الاستهانة بعيوب النفس لأنها تؤدي بدورها إلى مصيبة أكبر وهي مصيبة الاسترسال في القطيعة والصبر عن الله !، ثم التوبة من تضييع الوقت ، فالمسلم يجب أن يكون منظم الوقت إلى أبعد حد ممكن ، وأن يلزم نفسه بأعمال اليوم والليلة هذا وإن زعمت أنك لا تستطيع فتقبل إذا أن يكون أمرك فرطا!!
آفة من يتوب ويعود ، لكي لا يعود فعلى أي أصل يتوب ؟ والجواب : على أن لا يعود إلى ما منه تاب ، وأن لا يراعي إلا من إليه أناب ، وأن يحفظ سره من ملاحظة ما منه تاب.وكيف يثبت ؟ والجواب : بتتبع القربات ثم ذوق حلاوة حال القرب من الله.
إياك والغدر، ونقض العهد مع الله تعالى وخاف نار مرارة الطرد ، خاف أن يعاقبك الله تعالى على غدرك بعهده الذي عاهدته إياه على التوبة بأن يذيقك مرارة الطرد بعد أن ذقت حلاوة القرب
والإرادة من قوانين السير إلى الله تعالى وجوامع أبنيته ، وضعفها مرض مزمن في الشباب اليوم حتى الملتزمين منهم الذين يشكون من الفتور معظم الوقت! ، وذلك هو ضعف عضلة القلب عن المثابرة والاستمرار. أما صفات أهل الإرادة : التحبب إلى الله والإخلاص في النصيحة لله ، والأنس بالخلوة معه والصبر على مقاساة الغربة
أولا: ضبط الإرادة ، فلا يتقدم القلب برغبة ولا شهوة بين يدي الشرع ، ثانيا : دوام التعلم ، ثم المسارعة للعمل بما تعلمه ،ثالثاً: طيب الخاطر بمراد الشرع وإن خالف الهوى ،و أن يكون نومه غلبة وأكله فاقة وكلامه ضرورة ، واعلم أن من لم تصح إرادته ابتداءً فإنه لا تزيده مرور الأيام عليه إلا إدباراً
وهي الإجابة لدواعي الشريعة طوعا وكرامة ،وذهاب عن العادات بصحبة العلم والدليل، وتعلق القلب بالله مع صدق القصد
أين القرآن في نفسك ، أين القرآن في بيتك ، أين القرآن في حياتك ؟ فيا حامل القرآن انت ملاك! أنت مع السفرة الكرام البررة ، وأنت بالقرآن ترتقي وترتفع في الجنة ، والمصحف سلاحك فاعتز به وافتخر به ولا تتركه أبدا، واعتن به تلاوة وحفظا وعملا وتدبرا
القرآن دواء وشفاء ، فطوبى لك يا قارئ القرآن تغبط على ما أنت فيه ، وحامل القرآن ينبغي أن يعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذ الناس يفطرون ، وببكائه إذ الناس يفرحون ، وبصمته إذ الناس يخوضون ، وبخضوعه إذ الناس يختالون
إن من نعم الله علينا العظيمة كمسلمين أن الله تعالى قد عرفنا بنفسه وسمح لنا أن نتعرف عليه سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم يعرفنا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، والنعمة الكبرى أنه تعالى قد أذن لنا بعد ما عرفنا عظمته وجلاله وهيبته أن نبتغي حبه ورضاه ! فمن أنا وما أنا حتى يحبني أو يرضى عني.
الوصول إلى الله تعالى يحتاج إلى توفيق ، ومنه أن توفق أن تتوكل على الله تعالى حق التوكل ، وحق الاستعانه به تعالى على جلب مراضيه ودفع مساخطه تعالى، وصدق اللجئ إليه في تحقيق توحيده والطاعة وحسن العبادة
إن الله لا يحب المعتدين ، ولا يحب الفساد ولا المفسدين ، ولا يحب الفرحين ، ولا يحب الكافرين ، ولا يحب الخائنين ، ولا يحب المسبلين (أي لا يحب المسبل إزاره).
إن الله يحب الغني الخفي الخير التقي ، ويحب من يحب سورة الإخلاص ، ويحب الحيي الحليم المتعفف ، ويحب الرفق في الأمر كله ، ويحب الصلالة على وقتها ، ويحب البر ، ويحب الجهاد في سبيله ، ومن وسائل الحب الصدق ، وأداء الأمانة، وحسن الجوار ، وحب لقاء الله ، وتلاوة القرآن.
الشيطان يقوم بمهمة خطيرة هو تكفل بها وهي أن ينفرك من الله وأن يبعدك عن الله ومن ذلك أن يجعلك تبخس نفسك حقها وتهين نفسك فيجعلك تظن أنك لا تستطيع الوصول إلى الله، وعلاج كل هذا في كلمة واحدة ، هي : (حسن الظن بالله)
أن توقن يقينا تاما أن الله بيده ملكوت كل شئ ، وأن يشهد العبد حكمة الله في قدرته ، ورحمته في عزته ، وبره ولطفه في قهره، وأن منعه عطاء ، وعزله تولية ، وعقوبته تأديب، وامتحانه محبة وعطية، وتسليط أعدائه سائق يسوقه به إليه
الثقة سواد عين التوكل ، ونقطة دائرة التفويض ، وسويداء قلب التسليم ،وهي على ثلاث درجات : الأولى درجة الإياس من النفس ،والثانية درجة الأمن بالله ، والثالثة درجة معاينة أزلية الحق
الصلاة سر بين العبد وربه ، الصلاة تشرح الصدر وتذهب ضيقه، فهي وجبات روحية تروي الظمأ الروحي وتشبع أشواق النفس إلى خالقها، فهي قرة العين ونعيم الروح وجنة القلب ومستراح العبد في الدنيا. الصلاة نور وبرهان وضياء ، فتعالوا نعرف كيف نتقن الصلاة
أيها الرباني ينفعك أن ينشغل قلبك بمطالعة أسماء الله وصفاته حال صلاتك فإذا انتصبت قائما شاهدت بقلبك قيوميته سبحانه ، وإذا قلت (الله أكبر) شهدت بقلبك كبرياءه سبحانه وتعالى.
لو اننا في هذه الرحلة (إني ذاهب إلى ربي) ذهبنا بحق فإننا لن نرجع! ، فهل ذهبنا بالفعل وعلى الحقيقة ؟ فهل أنت مشتاق لله حقا أم أنت من الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ؟!!